سلة التسوق
سلة التسوق الخاصة بك فارغة!
445151
أيها الإنسان.. يا قارئ، يا من تبحث في الحروف عن نفسك، وفي الصمت عن الله. هذا الكتاب لا يروي لك قصة، بل يوقظ فيك ذاكرةً نائمة، ذاكرةَ النور الأول حين قيل لك: اقرأ.
ستفتحه، فتشعر أن الصفحات تتنفس فيك، أن الكلمات لا تُقرأ بعينيك، بل بقلبك، كأنها تعرفك منذ الأزل، وتنتظرك منذ أول "اقرأ" نُفخت فيك بها الحياة، حين قيل لك: قُم، فأنت عبدُ الله.
منذ تلك اللحظة بدأت الرحلة.. رحلة الإنسان من حفنة تراب إلى شُعاع نور، من السؤال إلى المعنى، من الصراع إلى السلام، من "لماذا أنا هنا؟" إلى "ها أنا أمامك يا الله".
وترسم لك الطريق الذي سرتَه قبل أن تولد.
ستقرأ فتسمع النداء الذي سمعه آدم حين قال: "الحمد لله"، وترى النور الذي نزل على محمد ﷺ حين قيل له: اقرأ باسم ربك، وستدرك أن كل وعدٍ للصالحين بأن الأرض لهم، كان وعدًا لك أنت، وأن كل همسةٍ من نبيٍّ تقول: أوصيكم بكتاب الله، كانت تهمس في روحك أنت.
هنا، لا أسطورةَ تُروى.. بل أنت الأسطورة نفسها.
ستسير بين ملائكةٍ وأنبياءٍ لم يعودوا أسماءً في الكتب، بل مرايا تُريك وجوهك المتعددة: حَمَلة العرش الذين يسبّحون حول النور بلا فَتْر. وجبريل، رسول الوحي الذي يضع الكلمة في قلبك. وميكائيل، حامل القَدَر والرزق. وملك الموت، الذي يذكّرك أن الرجوع وعدٌ لا يُؤجَّل. ومالك، الحارس على عدل الله في الدار الأخيرة. والزبانية، جنود الحق الذين لا يظلمون ولا يُظلَمون.
وإلى جانبهم أنبياء الله: آدم الذي نسي، ونوح الذي نجا، وإبراهيم الذي كسر الأصنام، وموسى الذي قاوم الطغيان، ويونس الذي خرج من الظلمة إلى النور، ويوسف الذي غفر بعد الخذلان، وعيسى الذي علّم الرحمة، ومحمّد ﷺ الذي ختم بالنور ما بدأ بالتراب.
كلّهم يمشون معك الآن، كلّهم يشيرون إليك ويقولون: دورك الآن.
ستبكي.. لا ضعفًا، بل لأنك تذكّرت من تكون. وسترتجف.. لا خوفًا، بل لأن حضور الله داخلك أقوى من أن يُحتمل. وستبتسم.. لا لهوًا، بل لأنك بلغت سلامًا لا يزول، وطُمأنينةً لا تُشبه شيئًا مما في الأرض.
وحين تُغلق الكتاب، لن تُغلقه فعلًا.. ستغلق صفحة العالم القديم لتبدأ عالمك أنت. ستشعر أن قلبك قد وُلد من جديد، وأن الرحلة التي ظننتها بحثًا في الخارج، كانت كلها طريق العودة إلى داخلك، إلى النقطة التي بدأت منها: الله.
هذا ليس كتابًا لتقرأه، بل مرآةٌ تُريك وجهك الحقيقي حين تضيئه الرحمة، وتُريك أن العلم بلا روحٍ ظلام، وأن المال بلا معنىٍ عبء، وأن المعرفة الحقيقية لا تبدأ من السؤال، بل من الكلمة التي خُلقت بها الحياة: اقرأ باسم ربك.
هنا، لا دينٌ يُفرّق، ولا لسانٌ يُقصي، ولا عقلٌ يُلغى، بل نداءٌ واحد يسمعه كل من بقي في قلبه أثرُ إنسان.
اقرأ.. يا قارئ، يا إنسان، فأنت لست مخلوقًا عابرًا، بل سرٌّ من نور الله، يمشي على الأرض ليتذكّر أصلَه.
وفي النهاية، حين تصمت كل الأصوات، وتنطفئ كل الشاشات، وتبقى وحدك في سكون الليل، ستسمعها في أعماقك.. ليست كلمة، بل يقينًا خالدًا: أنت عبدُ الله.